الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية هل هي نهاية مشروع القرار التُّونسي ـ الفرنسي في مجلس الأمن حول جائحة كورونا؟ بقلم الخبير الأممي عبد الوهاب الهاني

نشر في  13 ماي 2020  (12:08)

بقلم الخبير الأممي عبد الوهاب الهاني

تقدمت ألمانيا وإستونيا يوم أمس 12 ماي 2020 بمشروع قرار جديد على أنقاض المشروع التَّونسي الَّذي تمَّ دمجُهُ سابقا مع المشروع الفرنسي ليصبح مشروعا تونسيًّا ـ فرنسيًّا، قبل عرقلته من طرف الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة..

وبحسب الدِّيبلوماسيِّين المُعتمدين لدى الأُمم المُتَّحدة بنيويورك فإنَّ المشروع الألماني ـ الإستوني يهدف لتعويض المشروع الفرنسي ـ التَّونسي الَّذي يبدو أنَّه يواجه "طريقا مسدودا" منذ ما يقارب الشَّهرين، حسب ما تناقلته وكالات الأنباء في الساعات الأولى لفجر اليوم 13 ماي 2020 بعد نهاية يوم أمس في نيويرك بفارق التَّوقيت..

والمشروع الجديد أكثر تركيزا من المشروع السَّابق ويحتوي خمسة نقاط رئيسيَّة، وأساسا ّ"الدَّعوة للإيقاف الفوري والشَّامل لكُلِّ الأعمال العُدوانيَّة (الحربيَّة)" في كلِّ الملفَّات المطروحة على طاولة المجلس أي في ما يقارب العشرين دولة تعيش أزمات أو حروبا، لتيسير مجابهة جائحة كورونا وتسهيل وصول الإعانات الإنسانيَّة..

وينصُّ القرار على تبنِّي نداء الأمين العام للأمم المُتَّحدة ب "إعلان وقف إطلاق نار إنساني لمُدَّة لا تقلُّ عن تسعين يوما متتالية".. ويكرِّر النص بعض الفقرات التي تمَّ التَّوافق في مسودة المشروع التَّونسي ـ الفرنسي وستعاد بعض الفقرات الَّتي تمّ التَّوافق عليها في قرارات أمميَّة سابقة كاستثناء مواصلة القتال ضدَّ الجماعات الإرهابيَّة من وقف إطلاق النار..

وتفادى مشروع القرار الألماني ـ الإستوني أيَّة إشارة لمنظَّمة الصِّحَّة العالميَّة الَّتي كانت سببا في تهديد الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة باستعمال حقِ النَّقض الفيتو أمام المشروع السَّابق..

ومن المنتظر أن يتمَّ تحديد جلسة قريبة لعرض مشروع القرار الالماني ـ الإستوني رسميًّا إذا لم تعترض أيُّة دولة من الخمسة دائمي العُضويَّة.. علما وأنَّ جائحة كورونا وطريقة التَّعاطي معها أبرزت صراعات جيوـاسترايجيَّة عنيفة بين الصِّين والولايات المُتَّحدة الامريكيَّة من جهة وبين هاته الأخيرة وروسيا.. حيث انسحبت الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة من تمويل مُنظَّة الصّحَّة العالميَّة وقادت حملات تشكيكيَّة في دورها وفي جدواها، في حين تُصرُّ الصِّين على تثمين التَّعاون الدُّولي وأساس عبر تعزيز دور المُنظّمة..

كما لا تخفي الإدارة الأمريكيَّة غير المُتحمِّسة للتَّعاون الدّولي أصلا شكوكها في مصدر الوباء وتوصل إلقاء الاتِّهامات ضدَّ الصِّين بتصنيع الفيروس لغايات جيوـاستراتيجيَّة..

ومن جهتها تطالب روسيا بضرورة تضمين أيِّ قرار أُممي حول الجائحة ضرورة رفع العقوبات الاقتصاديَّة، سواء الأمميَّة في جزاءات مجلس الأمن الدُّولي أو أحاديَّة الجانب، وهي أساسا عقوبات أمريكيَّة ضدَّ روسيا وعدد من حلفائها، وهو الأمر الَّذي ترفضه بشكل قطعي الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة..

يُضاف إلى ذلك الصِّراع الخفيّ بين ألمانيا وفرنسا على خلفيَّة حُسن إدارة الأزمة الَّتي تسبَّبت فيها الجائحة من حيث الخسائر البشريَّة والمادِّيَّة..

كما يشقُّ المجلس نوع آخر من الصِّراعات بين دول الشَّمال الميَّالة لنوع من الارثودوكسيَّة في تخصيص مجلس الأمن بقضايا الأمن والسِّلم الدُّوليَّين دون توسُّع، في حين ترى دول الجنوب أنَّ قضايا الصِّحَّة والحق في التّنمية العادلة هي من مشمولات الأمن والسِّلم الدُّوليَّين..

وهو ما يفسِّر إزاحة ألمانيا وإستونيا للفقرة المُتعلِّقة بمنظَّمة الصِّحَّة العالميَّة بالإضافة إلى رغبتهما في تجاوز الصِّراع الأمريكي ـ الصّيني حولها.. ويُشكِّل التَّحالف الألماني ـ الإستوني نقطة تحوُّل في مجلس الأمن مع حرص شديد على تمرير القرار في أقرب الآجال وبمُقوِّمات نجاح إضافيَّة، حيثُ ترأَّست ألمانيا المجلس طيلة شهر أفريل واستفادت من خبرتها في إدارة الحوارات الجانبيَّة بالإضافة إلى خبراتها وقدراتها التَّفاوضيَّة ووزنها الدُّولي، في حين تترأَس إستونيا المجلس في شهر ماي وحرصت منذ انطلاق عُضويَّتها غير الدَّائمة في المجلس على المشاركة رفيعة المستوى في أشغاله بوزيرها للخارجيَّة في عديد الجلسات..

في حين دخلت تونس مجلس الأمن وهي تُعاني من التَّعثُّر في مسار تشكيل الحكومة وإقالة وزير الخارجيَّة، بالإضافة إلى مُخلَّفات إقالة السَّفير منصف البعتي على خلفيَّة مشروع القرار الفلسطيني العربي الإسلامي التَّونسي ـ الأندونيسي لرفض ما اصطلح على تسميته صفقة القرن، تحت ضغوطات امريكيَّة غير مسبوقة وتخبُّط ديبلوماسي داخلي..

هذا بالإضافة إلى فشل تونس داخليًّا في تجسيد روح المبادرة الأُمميَّة الَّتي رعتها منفردة ثُمَّ مع فرنسا، في تحقيق إجماع والتفاف وطني حولها، في أوَّل امتحان تعلَّق بالأوضاع في الشَّقيقة ليبيا.. حيث انبرت مكوِّنات التَّحالفين الحكومي والبرلماني الحاكمان إلى دقِّ طُبول الحرب ولاصطفاف وراء طرفي النِّزاع العسكري في ليبيا بين الحكومة الشَّرعيَّة المعترف بها دوليًّا بقيادة السَّرَّاج وبين قوَّات المُشير المُتقاعد حفتر.. بل وصل الأمر حدَّ التَّضارب في التَّصريحات بين وزيري الخارجيَّة والدِّفاع وهما من "كُتلة" أو "كوتا" رئيس الجمهوريَّة صاحب فكرة مشروع المُبادرة الأمميَّة..

وقد وصلت التَّجاذبات الدّاخليَّة حدَّ اتِّهام جزء من مكوِّنات التَّحالفين الحكومي والبرلماني الحاكمين المُتعارضين، بالباطل، لرئيس الجمهوريَّة بتقديم مشروع القرار مع فرنسا لإنقاذ المُشير حفتر.. كما بالغت مصالح الإعلام والإتِّصال في رئاسة الجمهوريَّة في التَّسويق الدَّاخلي بتقديم صورة غير مطابقة للمبادرة التُّونسيَّة في الحديث عن "مقاربة جديدة" و"اُمم مُتَّحدة مُتَّحدة بالفعل" الخ وغيرها من طلاسم الحشو اللُّغوي الَّذي لا يمكن لا ترجمته ولا تسويقه ديبلوماسيًّا في قرارت امميَّة لها لغتها ونواميسها وموازين قواها..

كلُّ هاته الهنات والعراقيل الدَّاخليَّة الَّتي كان بالإمكان تجاوزها أو على الأقل حسن إدارتها، لا تنقص من قيمة روح المبادرة التُّونسيَّة ولا تنقص من تفاني ولا من مهنيَّة ديبلوماسيِّينا الأشاوس رجالا ونساء في نيويورك وفي العاصمة تونس وفي كل عواصم العالم في فنِّ التَّفاوض الدِيبوماسي..

على أمل توفُّق مجلس الأمن في اتِّخاذ القرار المُناسب، فإنَّ تونس كان لها شرف المُبادرة والمحاولة والاجتهاد.. ولكن، على تونس أن تُبادر إلى استخلاص الدُّروس والعبر من التَّعثُّر الدِّيبلوماسي في التَّقدير الاستراتيجي للسِّياسة الخارجيَّة وفي الأداء التَّنفيذي الَّذي كشف عنه ماراثون المفاوضات في مجلس الأمن حول مشروع القرار..

على رئيس الجمهوريَّة ووزيرنا للخارجيَّة التَّفكير بجدِيَّة في مضمون مُبادراتنا وعُضويَتنا في مجلس الأمن الدُّولي وفي أدائنا الدِّيبلوماسي داخله للتِّسعة عشر شهرا ونصف الباقية من عُضويَّتنا الدَّوريَّة الَّتي لا تأتي عندما تأتي إلَّا مرَّة كُلَّ عشرين عاما..